شاب ثري ورث عن أبيه مع شقيقاته أراضي زراعية واسعة ومالاً وفيراً ، وكان منذ صباه فتى جريئاً مقتحماً يعيش حياته بانطلاق لا يعرف الحدود ولا القيود .. وقد بدأ مغامراته بتعلم الطيران وكاد يفقد حياته ذات يوم بسبب هذه الهواية ثم استهواه عالم السينما الجديد فاقتحمه بلا تردد ومثل وأنتج وأخرج عدة أفلام ثم التقى بالمطربة أسمهان في فندق "الملك داود" بالقدس وهي مُبعدة عن مصر للشك في تعاونها مع المخابرات البريطانية ، فتزوجها وأعادها لمصر وعاش معها فترة قصيرة مشحونة بالقلق والحيرة والغيرة.
فقد كانت أسمهان على علاقة بأحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي في بداية الأربعينيات ، وشك أحمد سالم في خيانة أسمهان وواجهها مواجهة عاصفة وأطلق عليها رصاصة لم تصبها وهم بالانتحار فأسرعت بالفرار واتصلت بحسنين باشا لتطالبه بأن يتصرف قبل أن ينتحر أحمد سالم وينتشر الخبر ويتحول إلى فضيحة تدوي في مجتمع القاهرة.. وأرسل إليه حسنين باشا ضابطاً كبيراً بالشرطة كان معروفاً بالنعومة وسعة الحيلة.. فحاول انتزاع المسدس من يده فأطلق عليه أحمد سالم رصاصة لم تصبه وإنما أصابته هو في كتفه ونقل إلى مستشفى قصر العيني تحت الحراسة .. وفي المستشفى تجمع حوله الأطباء الشبان الذين اجتذبتهم بسهولة شخصيته المثيرة وأصبحوا يمضون معه السهرة كل ليلة يلعبون الورق ويستمتعون إلى أحاديثه الشيقة.
وذات مساء أراد أحدهم أن ينصرف إلى النوم قبل انتهاء السهرة لأن لديه جراحة لاستئصال الزائدة الدودية سيجريها لمريض في الصباح الباكر .. فإذا بأحمد سالم يسخر من هذه الجراحة البسيطة التي لا تستحق أن يغادر السهرة من أجلها .. والتي يستطيع أي إنسان أن يقوم بها بغير حاجة لدراسة الطب .. بل إنه هو نفسه يستطيع أن يقوم بها نيابة عنه إذا ساعده أحد في إعداد المريض للجراحة ويتحداه الطبيب في إنه لا يستطيع ولا يجرؤ على الإمساك بالمشرط لاستخراج جزء من جسم إنسان .. فيستجيب أحمد سالم للتحدي على الفور ويراهنه على أنه يستطيع أن يفعل ومستعد للرهان على ذلك ، وفي لحظة حمق وجنون اتفق الطبيب الشاب وكان من أبناء الذوات مثله وابن لعميد كلية الطب الذي يعتبر واحداً من أعلام الطب في الشرق ، مع أحمد سالم على أن يدخل معه غرفة الجراحة ليقوم هو بتخدير المريض وفتح بطنه ثم يسلم له المشرط ليستأصل الزائدة متوقعاً أن تخونه شجاعته في اللحظة الأخيرة ويحجم عن مواصلة التحدي .. ولكن هيهات أن يحجم الشاب المغامر عن شيء ولو كان ضد كل منطق وعقل .. وفي الصباح دخل معه غرفة الجراحة وأمسك بالمشرط واستأصل الزائدة وسط ذهول الأطباء .. وانتهت المأساة بعد فترة قصيرة بوفاة المريض .. وتحولت الدعابة السوداء إلى كارثة تهدد مستقبل الطبيب الشاب الذي جارى أحمد سالم في هذا الجنون .. لكن المجاملة للأب العميد لعبت دورها في تكتم الفضيحة وساهم فيها ضعف أسرة المريض الفقير وجهلها بما يحدث .
وأصبحت المغامرة المجنونة قصة تروى في مجتمعات المدينة وتضاف إلى سلسلة مغامرات هذا الشاب الذي لا يعرف الحدود والسدود .. وبعد قليل تمت تسوية المشكلة التي سجن من أجلها أحمد سالم في المستشفى .. وعاد للظهور في منتديات القاهرة وسهراتها .. شاباً ثرياً أنيقاً يرتدي القميص لمرة واحدة في حياته .. ثم يهديه لغيره .. وإنساناً رقيقاً مهذباً ، شهماً وكريماً مع الجميع لا تملك مع جرأته الجنونية إلا الإعجاب بشخصيته والتأثر بها إذا اقتربت منه!
ثم تجيء النهاية الأكثر درامية لحياته العريضة الصاخبة رغم قصرها ويموت أحمد سالم في شرخ الشباب .. فهل تعرف كيف مات؟ بانفجار في الزائدة الدودية فاجأه على حين غرة قبل أن يجري له الأطباء تلك الجراحة البسيطة التي سخر منها ذات يوم وقال أن أي إنسان يستطيع أن يقوم بها بغير حاجة لدراسة الطب ..! " وَمَا رَبُّكُ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ " صدق الله العظيم .. وانطوت بذلك صفحة عجيبة من صفحات الحياة . لم يؤلفها مؤلف .. ولم يبتدعها خيال كاتب ، وإنما ألفها الزمن "أعظم المؤلفين" كما قال ذات يوم الفيلسوف الإنجليزي فرنسيس بيكون......